أولا الذكاء الاصطناعي لا يتعامل بالمشاعر و كل ما يعرفه عن ماهية المشاعر هو ما يجده في ارشيف الانترنت من معطيات و بيانات يمكنها تحليلها و ايجاد الطريقة الأنسب للتعبير عنها و في هذا المرة كانت في شكل قصة حوت يغدر بصاحبه في حكاية مؤثرة تتكلم عن غدر الحيوانات المفترسة و نكران العشرة مع المدرب و يبدو ان ذلك قد نجح اي ان البرنامج نجح في اختيار الموضوع و الصيغة ليحقق التأثير و هو بالضرورة سيكون أخذه او استنتجه من معالجة البيانات المختلفة اونلاين.
ثانيا، لا احد يستطيع توقع ما مدى خطورة هذا، لكن من المهم استنتاج ان ما يحصل خطر. ليس الخطر فقط ان يخدعنا الذكاء الاصطناعي، بل ان يتم استخدام هذه المهارات لاغراض شريرة. البشر اكثر فتكا و دهاء من برامج الذكاء الاصطناعي بالاف المرة، و لا ننسى ان الذكاء الاصطناعي هو تصميم تدريبي يتعلم من تجاربه بشكل تطور تراكمي اي انه لازال رهينا بما نقدمه له من بيانات لكي يتمكن من مزيد تطوير نفسه.

هذا يفيد ما معناه ان الذكاء الاصطناعي لايزال في مرحلة الاداء و الاعتماد على الاجتهاد البشري و هذا يعني امكانية التحكم فيه. اذا اتضح لاحقا ان الذكاء الاصطناعي قد خرج عن السيطرة البشرية  باي شكل فان هذا يعني اننا اسأنا تلقينه. و الخوف كل الخوف اننا الان بصدد تلقينه ما سيفعله بنا لاحقا. المشكلة ان لا احد يمكنه فعلا تقديم اجابة.

كل الاشارات تؤكد اننا دخلنا في طريق اللاعودة خصوصا انه لا توجد اي الية لمراقبة او متابعة عمليات التطوير في كل مكان في العالم. و اذا كان من الممكن تطبيق بروتوكولات لمتابعة انظمة التطوير لدى الشركات الكبرى و فرض شروط و حدود للتطوير، فانه من المستحيل تطبيق اي بروتوكول على مؤسسات التطوير العسكرية الخاصة بالدول نظرا لسباق التسلح بين جميع الجيوش و المعسكرات. اليوم لا نعرف شيئا عن مدى التطور الذي وصلت اليه كل من الترسانة الروسية او الصينية او الامريكية باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما لا يمكن استشراف الى اي مدى يمكن ان تمتد. ايضا هناك المطورون solo، اذ ان طفلا في غرفته في بيت والديه يمكن ان يحقق انجازات تطويرية لا يمكن توقعها او توقع تبعاتها. البشرية اليوم تقودها الآلة و في نظرة تشاؤمية قليلا فان الآلات في طريقها لاستعمار الكوكب و الحلول مكان البشر في كل شيء. اجل هناك نظريات استشرافية تذهب الى ابعد مما تتخيله افلام الخيال العلمي بان البشر سينقرضون و ربما الحياة كما نعرفها اليوم لتحل محلها آلات و روبوتات مكونة من المعادن فقط.

أجل طبعا صديقي يحي أتذكر جيدا تجربة المحاكاة هذه و كيف انصدم الجميع بنتائجها نظرا لحساسية الموقف بما ان اتخاذ قرارات مصيرية في ظرف زمني وجيز يجب ان يتم التعامل معه بحذر مفرط خصوصا ان الظرف قد لا يسمح بمراجعة القرارات او ايقاف البرنامج. الذكاء الاصطناعي يتم استعماله حاليا في الحروب الدائرة حول العالم بما فيها الحرب  على غزة او المواجهة الاوكرانية الروسية و لكن واضح انه يتم توظيفه بقدرات محدودة لتترك اتخاذ القرارات الخطيرة للارادة البشرية ليكتفي الذكاء الاصطناعي بعمليات الرصد و المراقبة و التوجيه و هي جميعها وظائف حيوية مهمة في المخططات العسكرية الحربية. تلك التجربة أكيد أنها جعلت الجميع يعيدون حساباتهم و يتراجعون عن فكرة الثقة العمياء بهذه البرمجيات بما ان تأثيرها قد يكون له ارتداد عكسي على صاحبها كما هو واضح.

في سابقة طريفة، قام رئيس وزراء جمهورية ألبانيا بتعيين وزيرة للصفقات العمومية عبارة عن برنامج روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي. اليوم في البرلمان الألباني ألقت الوزيرة الافتراضية خطابا امام النواب انتقدت فيه معارضيها الذين يتهمونها بعدم الكفاءة و قدمت فيه وعودة وصفت نفسها فيها بان كفاءتها لا تقل عن زملائها البشريين. رئيس الوزراء اقدم على هذه الخطوة في اطار محاربة الفساد المستشري في البلاد واصفا الوزيرة بانها ستحافظ على كل اموال الصفقات العمومية بما انها تشتغل 24/24 ساعة بدون اجر و لا يمكن اغراؤها بالنقود او اي شيء. في المقابل وصفت المعارضة الخطوة بانها غير دستورية و هو لم يكن سببا مقنعا خصوصا ان زعيم المعارضة لديه قضايا فساد جارية. انها خطوة جريئة و تعتبر تفوقا للذكاء الاصطناعي و للبشر ايضا توظيف قدرات الذكاء الاصطناعي لخدمة الصالح العام. شخصيا اتوقع لها اداء ممتازا في ادارة الصفقات العمومية و لا عجب ان يتراجع تصنيف البانيا في مؤشرات الدول الاكثر فسادا.

https://arabic.cnn.com/science-and-health/video/2025/09/19/v180962-ai-minister-ablania-ldndigvid