في العلاقات السياسية و الايديولوجية هناك مقولة معروفة تفيد بانه ليس هناك اعداء دائمون و لا اصدقاء دائمون، انما هناك مصالح دائمة. هذه المقولة هي ما يفسر حالة التوافق التي نراها حاليا بين دول الغرب و اصدقائهم من اليهود الصهاينة. و الحقيقة ان الحركة الصهيونية هي ما يجمعهم حاليا و هي ما يضمن وحدة موقفهم للحفاظ على مصالح مشتركة.
يخطئ البعض بالتصور ان العداء هو بين مسلمين و يهود مقابل توافق مسيحي-يهودي. هذه مغالطة سعى هنتغتون للتنظير لخا في كتابه "صراع الحضارات"، متناسيا تماما نشوء و تطور الحركة الصهيونية التي خرجت من عباءة الدين بما انها نشأت في الأوساط المسيحية لتصبح لاحقا حركة عالمية تضم اناس مؤمنين بها من خلفيات دينية و ثقافية مختلفة و البعض منها لم يكن متدينا اصلا. هذه الحركة يحركها مصلحة المنضويين تحتها و لا علاقة لها تماما بالدين انما يحاولون الترويج لخلفية دينية في محاولة لصرف النظر عن اسباب المنشأ الحقيقية. اهم دليل يمكن الاستناد عليه هو وجود يهود في كل من اسرائيل و فلسطين انفسهم لا يؤمنون بالصهيونية و لا بالدولة الاسرائيلية، في نفس الوقت الذي يدعم فيه العديد من الغير يهود قيام اسرائيل كدولة لليهود.
أنا من المقتنعين ان الصراع لا علاقة له بالدين و ان طرفي الصراع يحاولون اضفاء صبغة دينية عليه لاستمالة الجماهير. اليوم كلا الطرفين يدعمون افكار عنصرية و هو ما لا يمكن ان يدعم حل خارطة السلام في المنطقة، و ها نحن نراه اليوم واضحا في غزة التي يتم افراغها من محتواها الحضري لتحويلها لاحقا الى مستعمرة اسرائيلية جديدة. البرلمان الاسرائيلي كان منذ يومين قد دعم قرار الحكومة برفض قيام دولة فلسطينية من طرف واحد و بالتالي مواصلة الحملة على غزة.
مع احترامي الشديد لرأيك وأنا بصراحة تعجبني آرائك ومحاكماتك المنطقية للأمور لكن اسمح لي أن اختلف معك في هذه النقطة بالذات.
أنا معك أنه تم استغلال الدين للترويج للفكرة وتنفيذ المخطط واستغلال مشاعر الناس الذين يتأثرون بالدين بسهولة لكن أرى أن أساس المشكلة كله نابع من خلفية دينية أو فهم خاطئ لنبوءات موجودة في التوراة أن فلسطين هي الأرض الموعودة لليهود والتي سيقيمون عليها مملكتهم النهائية وفلسطين أيضا هي أرض الملحمة الكبرى أو هرمجدون وهي المعركة الأخيرة التي سيقودها رب اسرائيل للقضاء على كل أعداء يهود كما يتوهمون طبعا.
هناك نبوءات في التوراة فهمها المتطرفون كما يريدون أن يفهموها واتخذوها حجة وذريعة لإنشاء وطن لهم في فلسطين وإلا لماذا اختاروا فلسطين بالذات لإقامة دولتهم مع أنهم يعلمون أن مدينة القدس بالذات لها قدسية خاصة عند المسيحيين والمسلمين وهذه النقطة بالذات هي ما تسبب العداء الشديد لهم من قبل المسلمين، لو أنهم على سبيل المثال أقاموا وطنهم في دولة عربية أخرى في جزء من مصر أو الأردن أو أي دولة أخرى ربما لتجنبوا الكثير من العداء والكراهية والمشاكل التي يعانون منها اليوم، وهذا كان ممكنا أن يحصل بسهولة أيام الاحتلال البريطاني حيث كان بإمكان بريطانيا أن تعطيهم أرض في أي مكان آخر لكنهم اختاروا فلسطين بالذاات بناءا على مفهومهم الديني وفهمهم الخاطئ للتوراة.
أنا أعرف أن الصهيونية غير اليهودية لكن في كل دين هناك فئة متطرفة تفهم الدين على هواها بشكل خاطئ يخدم مصلحتها السياسية مثل ما حصل في الإسلام مع داعش حيث فهموا الدين بشكل متطرف جدا ودموي لإقامة دولة الخلافة المزعومة الخاصة بهم والتي هي لا علاقة لها بالإسلام بل شوهت صورة الإسلام.
هناك بالطبع الكثير من اليهود البسطاء الطيبين الذين لاعلاقة لهم بكل مايحدث ولكن يتم خداهم وجرهم إلى الصراع بواسطة هؤلاء الصهاينة المتطرفين لتحقيق حلمهم المزعوم وأفضل طريقة لخداع هؤلاء هي التأثير عليهم بواسطة الدين كما فعلت داعش عندما استغلت الناس بالبسطاء عن طريق النبوءات الدينية لإعادة إحياء الخلافة بالإسلام.
لذلك أرى أن الصراع قائم على أساس ديني ليس بمعنى أن الدين اليهودي يعادي الإسلام أو العكس لكن بمعنى أنه يتم استغلال النبوءات الدينية لتغذية الصراع بين الطرفين ، وهناك سؤال مهم جدا لفهم المشكلة بشكل أفضل وهو إذا لم يكن الصراع ديني فما هي غاية الصهاينة من إقامة هذه الدولة على فلسطين؟ ولماذا فلسطين بالذات؟
هل الغاية فقط تجميع اليهود في منطقة ما وإبعادهم عن أوربا؟ لو كانت هذه هي الغاية فقط فهناك الكثير من الأراضي الشاسعة الغير مسكونة في مناطق كثيرة من العالم تصلح لتجميع اليهود بدون أي مشاكل على سبيل المثال أستراليا هناك مساحات هائلة غير مسكونة من الأراضي يمكن لليهود أن يشتروها بأموالهم الطائلة ويبنوا عليها دولتهم بدون أي مشاكل أو عداوات!!! أو كان ممكن أن تعطيهم إياها بريطانيا عندما كانت تحتل استراليا بدل أن تعطيهم وطن في فلسطين وتجلب عليهم كل هذه الويلات؟